أمين الزقرني

أمين الزقرني

ومن لا يحب صعود الجبال يعش آبد الدهر بين الحفر

الآثار التطورية

الاثار التطورية evolutionary remnants هي أعضاء أو ردود فعل ظهرت وبقيت لدى الانسان نتيجة التطور ولكن لم يعد لها أي دور. هي عبارة عن زوائد ينصح في الغالب بالتخلص منها لأنها من المحتمل أن تتسبب في أي لحظة في مشاكل لا تحمد عقباها. مثال ذلك ما نسميه ضرسة العقل التي احتاجها الانسان الأول لأن نظامه الغذائي اعتمد على الجذور والمكسرات واللحوم، وهو ما تطلب المزيد من قوة المضغ، وبالتالي الحاجة الى أسنان أكثر قوة كما ضرسة العقل. تطور الانسان واكتشف النار فسهل له ذلك الطبخ وتليين المواد الغذائية وهضمها، ولم يعد بحاجة الى ضرسة العقل، بل على العكس، صارت عبارة عن قنبلة موقوتة ينصح أطباء الأسنان باستئصالها استباقيا حتى ولو لم تظهر أي علامات.

على قياس الاثار التطورية العضوية، توجد اثار تطورية نفسية وحضارية، وهي أساسا الدين والعنصرية. تخيل انسانا بدائيا يسمع خشخشة أوراق ونباتات فلا يعيرها في البداية اهتماما، فإذا بالأسد الذي أثار ذلك الصوت بمشيته يهم بافتراسه. في المرة القادمة التي يسمع فيها هذا الانسان صوتا مثله سيهرب ويجعل من خشخشة الأوراق مهيبة ومخيفة. تدريجيا سيكبر هذا الوهم ليفسر به ظاهرة الخشخشة التي يجهل مصدرها. هكذا صار مع النيازك والصخور والرياح والأمطار وقوى الطبيعة وكل ظاهرة غير مفهومة الى أن حولها تدريجيا وجمعها في وهم إلاه واحد خفي. احتاج الانسان البدائي لصناعة الالهة لكل شيء يجهله ولا يفهمه حتى يحمي نفسه وينظم قبيلته. فكرة الالاه صنعت لسد فجوات الجهل. ورغم أنها في الواقع مغالطة منطقية تسمى مغالطة التوسل بالمجهول، فانها قد كانت الى وقت ما مفيدة للبشرية.

اليوم تطور الانسان بحيث أصبح مسيطرا على الطبيعة ولا يحتاج الى غير العلم لفهم الظواهر من حوله والاستمرار في التطور والوجود. أصبح الدين أثرا تطوريا زائدا قابلا للاشتعال في أي لحظة. لأن النصوص الدينية التي يجدها انسان له نسبة معقولة من العلم والتسامح مناسبة فقط لعصرها، يجدها غيره ملائمة لكل زمان ومكان ولن يقدر أحد على منعه من الجهاد بالتفجير والحاق الأذى بغيره لأن نبيه جاهد بالسيف والاهه قد توعد -وكلمته هي العليا والباقية- كل كافر أثيم.

مات الالاه وانتهت خرافة الدين. كإجراء وقائي يُنصح بالتعجيل باستئصاله تفاديا لما قد يلحق البشرية من أضرار. وكإجراء علاجي عاجل يتوجب نشر العلم والمنطق وارساء نظام تعليمي قوي في ظل دولة مدنية ديمقراطية. 

في تونس بدأ بورقيبة في هذه الاجراءات، لكنها كانت انتقائية مصبوغة بطابع العنصرية، فاتجهت نحو جهات دون جهات، ومدن دون أرياف، في اطار أبوية فوقية. نتيجة ذلك أن عقلية الجهل البدائية التي يعتمد عليها الدين والحركات المعتمدة على فكر الدين والعنصرية (العصبية العربية والعصبية الاسلامية) بقيت محافظة على شعبيتها ومكانتها في مناطق ما، وهو ما يسميه البعض المخزون الانتخابي، وفي مواقف أخرى الحاضنة الشعبية الاجتماعية. الجيل الثاني الناتج عن التعليم في فترة بورقيبة بادر الى الهجرة الى حيث يمكن أن يعيش بما يتناسب مع عقله وفكره، في حين أن الجيل الأول لم يبق له الكثير على الرحيل. 

في ظل تعليم مستواه آخذ في الانحدار لن يجد الشعب التونسي قدرة على البقاء والتطور. هو منطلق بسرعة نحو التخلف والانقراض. قد تُكتب قوانين جميلة لكنها ستبقى حبرا على ورق وهيكلا فارغا لن تجد سوى شعب جاهل لا يطبقها ولا يستفيد منها.

DROP A COMMENT

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: