في 2015 بعد ما خذيت الديبلوم فرحان نتحدى في روحي قررت أني نخدم في “المناطق الداخلية”. مشيت وحدي وبإرادتي صححت عقد مع مدير سبيطار قبلاط لمدة 3 أشهر نخدم المناوبات 24 ساعة مقابل 60 دينار. كنت متفائل. نركب من المرسى لقبلاط في النقل واللواجات تتكلف تقريب 30 دينار مشي وجي ونشري حاجة ناكلها.. اللي نفضلو تقريب 20 دينار. أما كنت متفائل، وكان آخر همي أني نلم الفلوس.. الى أن ريت التفاؤل وجها لوجه.
سبيطار سقف وقاعة. طاولة وعدد 2 كراسي في غرفة الفحص، وطاولة فحص في غرفة أخرى. مقياس حرارة ومقياس ضغط الدم وآلة قيس السكر وكراس للملاحظات. وانتهت قائمة أدوات العمل. جاد الفقير بما عنده. مخبر يخدم لنصف النهار ومبعد كان لازم تحليل تبعث المريض لسبيطار مجاز الباب. التصوير بالأشعة كيف كيف. تحب تصور في الليل؟ لازم تبعث لمجاز الباب. مرا بش تولد؟ لازم تبعث لتونس. نهار الأحد والعطل معايا فقط ممرضين اثنين وسائق سيارة الإسعاف.
منهم نهار أحد اضطرينا نبعثو سيارة الإسعاف لتونس لأنو فما ولادة لازمها مراقبة طبية مختصة. وبينما نحن كذلك جات عائلة، تقريب 15 نفر، معاها بنت صغيرة مرتبكة بلعت حاجة غير معروفة منذ دقائق ولها ملف في مستشفى الأطفال بتونس على رتق المريء. لا عندي تقني لتصوير الأشعة (غرفة التصوير أصلا مغلقة) ولا آلة لقيس ومراقبة نسبة الاكسيجين في الدم ولا شي. من حسن الحظ كان عندي سيارة اسعاف أخرى. في الواقع هي مجرد عربة وليس فيها أبسط التجهيزات، أما مكتوب عليها سيارة اسعاف بالأزرق. أما من سوء الحظ ماعنديش سائق آخر ولا ممرض لمرافقة المريضة. العائلة تشنجت (15 مقابل 2) وجاء الحرس الوطني للتهدئة. في الأثناء كنت نكلّم في القيم العام بش يجي هو ينوب الممرض اللي بش يرافق المريضة ويكلم سائق آخر اللي هو في نهار عطلته. جاو الاثنين بعد أكثر من ساعة من الانتظار، ووالد البنت يتهدد في الأثناء بحرق المستشفى بمن فيه وكأن في ذلك حلا لحالة ابنته أو سيساعد به باقي المرضى. مرت الساعة كأنها قرن ولا حيلة لي لمساعدة الطفلة سوى مراقبة علاماتها السريرية، وكيما قال أحد وزراء الصحة الذين حرصوا على العمل في المناطق الداخلية، حاولت أن أعالج بالنصيحة، لكن دون فائدة.
وانطلقت سيارة الإسعاف. ليكلمني الممرض بعد أقل من 10 دقائق، ليخبرني، أنه ومن سخرية الأقدار، وبسبب الحفر في الكياس، فإن الفتاة من فرط “الخضّان” قد تجشأت حبة الزيتون التي ابتلعتها دون أن تدري.
مانيش بش نحكي على العيادات (الغير مدفوعة) في الأرياف المحيطة بقبلاط. ناس عايشة تحت الصفر. أبسط الأدوية غير متوفرة، وتلقاك مضطر تكتب الوصفة الطبية موش حسب حالة المريض، أما حسب الأدوية الموجودة في المخزن. كملت الشهر بالسيف، لأن حياة الناس وصحتهم مسؤولية. وندمت على تفاؤلي وعلى فكرة العمل بالمناطق الداخلية في تونس.